القصة من منظور أوبك
تشير أحدث تقارير أوبك في التوقعات العالمية للنفط لعام 2024 إلى زيادة كبيرة في الطلب العالمي على النفط، حيث من المتوقع أن يصل إلى 120.1 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2050. يمثل هذا النمو بنسبة 18% مقارنة بالمستويات الحالية، مما يجعل أوبك في موقف متفرد بين توقعات الآخرين. تعتمد هذه النظرة المتفائلة على مخاوف متزايدة بشأن أمن الطاقة وزيادة الطلب من الدول النامية، مما يشير إلى أن النفط سيظل يشكل جزءًا أساسيًا من مزيج الطاقة العالمي لعدة عقود قادمة.
تستند نظرة أوبك إلى اعتقاد بأن الانتقال إلى الطاقة المتجددة سيستغرق وقتًا أطول مما هو متوقع، خاصة بعد أزمة الطاقة لعام 2022 بعد الحرب الروسية الأوكرانية. وتؤكد أوبك أن الدول المتقدمة تعطي الأولوية الآن لأمن الطاقة بدلاً من الانتقال السريع إلى الطاقة المتجددة. كما أن الدول النامية، خاصة في آسيا، ستلعب دورًا رئيسيًا في زيادة الطلب في المستقبل. على سبيل المثال، من المتوقع أن تساهم الهند وحدها بزيادة 8 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2050، مدفوعة بالنمو الصناعي في قطاعات مثل البتروكيماويات والنقل والطيران.
لكن هناك مشكلة:
في المقابل، تقدم مؤسسات كبرى أخرى رؤية أكثر تحفظًا حول مستقبل الطلب على النفط. تتوقع كل من BP ومجموعة Vitol والوكالة الدولية للطاقة أن يصل الطلب على النفط إلى ذروته بحلول منتصف العشرينيات من هذا القرن، يليه تراجع تدريجي بسبب التحول إلى السيارات الكهربائية ومصادر الطاقة المتجددة. تتماشى هذه التوقعات مع أهداف المناخ الدولية التي تدعو إلى تقليل استهلاك النفط بشكل عاجل للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية.
وتشدد الوكالة الدولية للطاقة على ضرورة تقليل استهلاك النفط فورًا لتحقيق أهداف المناخ، محذرة من أن استمرار نمو الطلب، كما تتوقع أوبك، قد يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بين 2.5 إلى 3 درجات مئوية بحلول منتصف القرن.
دور احتجاز وتخزين الكربون
يرتبط تفاؤل أوبك المستمر حول مستقبل الطلب على النفط أيضًا بإيمانها بتقنيات احتجاز وتخزين الكربون كحل لإدارة الانبعاثات الكربونية. ترى المنظمة أنه مع التوسع السريع في مشاريع احتجاز الكربون، يمكن تقليل الأثر البيئي لاستمرار استهلاك النفط. ومع ذلك، يبقى العديد من الخبراء متشككين في هذا النهج، مشيرين إلى التحديات التقنية والتجارية الكبيرة التي يجب التغلب عليها لتنفيذ هذه التقنيات على نطاق واسع.
على الرغم من ثقة أوبك، إلا أن احتجاز وتخزين الكربون يظل مكلفًا ولم يثبت بعد كحل فعال على نطاق واسع. ويجادل النقاد بأن الاعتماد على هذه التقنيات قد يؤدي إلى تأخير العمل الجاد لتقليل الانبعاثات.
أمن الطاقة مقابل أهداف المناخ
في جوهر هذا النقاش تكمن التوترات بين ضمان أمن الطاقة ومعالجة المخاطر المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ. تؤكد توقعات أوبك على الحاجة إلى توفير طاقة بأسعار معقولة في الدول النامية والمخاطر المحتملة للتحول السريع بعيدًا عن الوقود الأحفوري. وتشير المنظمة إلى أزمة الطاقة لعام 2022 كتذكير بأن العالم لا يزال يعتمد بشكل كبير على النفط، وأي اضطرابات كبيرة في العرض يمكن أن تؤدي إلى عواقب اقتصادية وخيمة.
من ناحية أخرى، تشير الوكالات مثل الوكالة الدولية للطاقة والمجموعات البيئية إلى أن تأخير الانتقال إلى الطاقة المتجددة قد يؤدي إلى عواقب أكثر كارثية على الكوكب. في تقريرها صافي صفر بحلول 2050، شددت الوكالة الدولية للطاقة على ضرورة التوقف الفوري عن الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة لتحقيق أهداف المناخ. وإذا لم يحدث ذلك، فإنهم يجادلون بأن العالم قد يتجاوز النقطة الحرجة فيما يتعلق بإدارة ظاهرة الاحتباس الحراري.
التداعيات الاقتصادية لاستراتيجية أوبك
يُثير التركيز المستمر لأوبك على نمو الطلب على النفط أسئلة مهمة حول الآثار الاقتصادية على سوق الطاقة العالمي. في حين تتوقع المنظمة نموًا مستمرًا في الطلب، كانت أسعار النفط متقلبة، حيث تراجعت مؤخرًا بشكل كبير، مما يقوض توقعاتها المتفائلة. واجهت توقعات أوبك قصيرة الأجل شكوكًا من المؤسسات المالية الكبرى مثل Goldman Sachs وJPMorgan، التي أشارت إلى انخفاض أسعار النفط ومخاوف بشأن ضعف الطلب.
حتى داخل الدول الأعضاء في أوبك، يزداد الشك بشأن مستقبل الطلب على النفط. وقد تأخرت عدة دول أعضاء في استئناف الإنتاج المتوقف بسبب مخاوف من أن السوق قد لا تكون قادرة على استيعاب العرض الإضافي، مما يعكس ضعف الثقة في توقعات أوبك طويلة الأجل للطلب.
قد يهمك أيضاً: الإمارات.. دولة نفطية بطموح نووي.
إذًا، ما الذي يخبئه مستقبل النفط؟
الأمر معقد. هل يمكن للعالم أن يستمر في الاعتماد على النفط مع تزايد التحديات البيئية؟ هل تستطيع أوبك تحقيق توقعاتها في ظل الضغوط البيئية والسياسية؟ الحقيقة أن المستقبل ليس واضحًا تمامًا. قد يكون الطلب على النفط مرهونًا بعوامل اقتصادية وبيئية لا يمكن التنبؤ بها الآن.
ما هو رأيك؟ هل تعتقد أن النفط سيستمر في الهيمنة كما ترى أوبك؟ أم أن الوقت قد حان لتحول شامل نحو الطاقة المتجددة؟ شاركنا رأيك في التعليقات.