بيانات التوظيف الأمريكية
بيانات التوظيف الأمريكية

كيف أعادت بيانات التوظيف الأمريكية تشكيل الأسواق وأثارت مخاوف الركود؟

ماذا حدث؟

شهدت الأسواق المالية العالمية تقلبات شديدة عقب صدور بيانات التوظيف الأمريكية لشهر أغسطس 2024، حيث أظهرت تباطؤًا في نمو الوظائف. أضاف الاقتصاد الأمريكي 142,000 وظيفة جديدة فقط، مقارنة بتوقعات السوق التي بلغت 160,000 وظيفة، بينما استقر معدل البطالة عند 4.2%. هذه الأرقام الضعيفة زادت من مخاوف الركود الاقتصادي الذي قد يلوح في الأفق، خاصة وأن هذه البيانات جاءت بعد سلسلة من المؤشرات الاقتصادية التي أظهرت تباطؤًا ملحوظًا في النمو الاقتصادي الأمريكي.

في ضوء هذه البيانات، شهدت الأسواق تراجعًا حادًا في الأسهم، هذه التراجعات كانت نتيجة مخاوف المستثمرين من تأثيرات التباطؤ الاقتصادي المحتمل على الشركات الكبرى، خاصة في قطاع التكنولوجيا.

الصورة الكبيرة

تعكس هذه التراجعات في السوق مخاوف أكبر حول التباطؤ الاقتصادي العالمي، وليس فقط الاقتصاد الأمريكي. الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تواجه تحديات كبيرة تتعلق بضعف الطلب المحلي وركود القطاع العقاري. هذا التباطؤ في الاقتصاد الصيني يؤثر على الشركات العالمية التي تعتمد بشكل كبير على السوق الصيني، بما في ذلك قطاعات السلع الفاخرة والسيارات والتكنولوجيا.

في أوروبا، تواجه ألمانيا، أكبر اقتصاد في القارة، تباطؤًا في النمو الصناعي، خاصة مع التحديات التي يواجهها قطاع السيارات. تقارير عن احتمال إغلاق مصانع فولكس فاجن في ألمانيا زادت من المخاوف حول مستقبل الصناعة الألمانية. هذه العوامل مجتمعة تجعل الصورة الاقتصادية العامة أكثر ضبابية، ما يزيد من المخاوف بشأن مستقبل الشركات الكبرى ومعدلات الربحية في الأشهر القادمة.

في الوقت نفسه، جاءت هذه المخاوف الاقتصادية في ظل تزايد الحديث عن إمكانية خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في اجتماعاته المقبلة. يتوقع بعض المستثمرين أن يقوم الفيدرالي بخفض 50 نقطة أساس في اجتماعه القادم، وذلك استجابة للبيانات الاقتصادية الضعيفة. ومع ذلك، هناك قلق من أن أي خفض للفائدة سيكون بمثابة استجابة لتباطؤ اقتصادي كبير، مما قد يزيد من مخاوف المستثمرين بدلاً من تهدئتها.

الرابحون والخاسرون

الرابحون:

الأصول الآمنة هي الفائز الأكبر في هذا المناخ الاقتصادي المتقلب. بعد بيانات التوظيف الضعيفة، لجأ المستثمرون إلى الأصول التي تعتبر ملاذات آمنة لحماية استثماراتهم من التقلبات الحادة في السوق.

  • السندات الحكومية الأمريكية شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الطلب، مما دفع بعوائد السندات إلى أدنى مستوياتها في عدة أشهر. 3.815%.
  • الذهب، الذي يعتبر ملاذًا آمنًا تقليديًا في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي، حافظ على أدائه القوي، حيث بلغ سعره حوالي 2431 دولارًا للأوقية  بالقرب من مستويات قياسية
  • الين الياباني، الذي يُعتبر أيضًا من الملاذات الآمنة، شهد ارتفاعًا ملحوظًا بعد أن قرر بنك اليابان رفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة منذ 15 عامًا.

الخاسرون:

  • شركات التكنولوجيا الكبرى كانت من أكبر الخاسرين، حيث تعرضت Nvidia وIntel لتراجعات كبيرة. سهم Nvidia، الذي كان من أبرز الرابحين في 2024 بفضل الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي،. هذه التراجعات تعكس المخاوف المتزايدة من أن الطلب على التكنولوجيا قد يتباطأ مع تباطؤ الاقتصاد.
  • قطاع التكنولوجيا ككل تأثر بشكل ملحوظ، حيث لجأ المستثمرون إلى البيع المكثف للأسهم في هذا القطاع في ظل قلقهم من احتمالات الركود  بالإضافة إلى التقييمات المرتفعة لتلك الأسهم أصلا.

ولكن

رغم التراجعات الحادة في الأسواق، هناك احتمالات أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتخفيف سياسته النقدية عبر خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، مما قد يعيد بعض الاستقرار للأسواق. مع ذلك، يجب الانتباه إلى أن أي خفض للفائدة قد يأتي نتيجة ضعف اقتصادي مستمر، وليس استجابة لتعافي اقتصادي. وهذا يعني أن الأسواق قد لا تستجيب بشكل إيجابي كما كان متوقعًا في الماضي.

علاوة على ذلك، فإن التحديات السياسية المقبلة في الولايات المتحدة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية، قد تزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق. المنافسة الشرسة بين كامالا هاريس ودونالد ترامب والاختلاف الكبير في سياساتهم الاقتصادية يزيد من الغموض حول مستقبل الضرائب والاقتصاد الأمريكي في المستقبل.

ما القادم؟

التوقعات تشير إلى أن الأسواق ستظل في حالة تقلب حتى نهاية العام، مع انتظار المستثمرين لنتائج اجتماعات الفيدرالي المقبلة والتي قد تحدد مسار الأسواق. إذا قام الفيدرالي بخفض الفائدة، قد نرى بعض الاستقرار على المدى القصير، لكن التحديات العالمية مثل ضعف النمو في الصين وألمانيا، والتوترات السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا، قد تستمر في الضغط على الأسواق.

الأصول الآمنة، مثل السندات الحكومية والذهب، ستظل الخيار المفضل للمستثمرين الذين يبحثون عن حماية رؤوس أموالهم في هذه الأوقات غير المؤكدة. ولكن يجب على المستثمرين أن يكونوا مستعدين للتعامل مع مزيد من التقلبات في الأسواق المالية العالمية.