على الرغم من جهود البنك المركزي المصري بالسيطرة على التضخم بشكل جزئي، وعلى الرغم من تراجع الأسعار للشهر الخامس على التوالي، إلا أن التوقعات تشير بأن تبقى المستويات العامة للأسعار مرتفعة لما تبقى من عام2024.
اسباب التضخم الاقتصادي في مصر
لذلك إليكم 5 عوامل عالمية رئيسية تزيد من تعقيد حرب المركزي على التضخم في مصر.
1- أسعار السلع العالمية
تشهد أسعار السلع العالمية تأثيرات متزايدة على الاقتصاد المصري، نظرًا لأن مصر تعتمد بشكل كبير على استيراد العديد من السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة. هذا الاعتماد يجعل الاقتصاد المصري عرضة للتقلبات في الأسواق العالمية، حيث تؤدي أي تغييرات في أسعار هذه السلع إلى تأثيرات مباشرة على الاقتصاد المحلي.
على سبيل المثال، تعد أسعار النفط من أكثر العوامل المؤثرة على الاقتصاد المصري، نظرًا لاستخدام النفط في العديد من العمليات الحيوية كالنقل والإنتاج. عندما ترتفع أسعار النفط على المستوى العالمي، تزداد تكلفة النقل، وهو ما ينعكس بدوره على تكلفة إنتاج السلع والخدمات. هذا الارتفاع في التكلفة يؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات النهائية التي يشتريها المستهلك، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
في الآونة الأخيرة، شهدت أسعار النفط تقلبات حادة، خاصة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة. هذه الحرب أدت إلى اضطرابات في المنطقة، مما أثر على إمدادات النفط وأدى إلى تقلبات في أسعاره. وبالنظر إلى الدور الحاسم للنفط في تسعير معظم المنتجات، فإن هذه التقلبات تسببت في زيادة الضغوط التضخمية في مصر، حيث ارتفعت أسعار العديد من السلع الأساسية.
تعتبر هذه التقلبات تحديًا كبيرًا للحكومة المصرية، التي تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ تدابير للتخفيف من آثار هذه الزيادات على المواطنين. ومن بين هذه التدابير، يمكن أن تشمل تقديم دعم مالي لبعض السلع الأساسية، أو زيادة الإنفاق الحكومي في قطاعات معينة لتخفيف العبء على الفئات الأكثر تأثرًا.
إجمالاً، تظل أسعار السلع العالمية، وخاصة النفط، عاملًا رئيسيًا في تحديد تكلفة المعيشة في مصر، وهي مشكلة تتفاقم مع كل أزمة أو اضطراب عالمي يؤثر على هذه الأسواق.
2- تحركات سعر الصرف
في السنوات الأخيرة، شهدت مصر سلسلة من الخفض المتتالي في قيمة الجنيه المصري، وهو ما جاء كجزء من استراتيجية اقتصادية تهدف إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، منها جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتقليص حجم السوق السوداء للعملات. هذه الإجراءات تأتي تماشياً مع توصيات وبرامج صندوق النقد الدولي، الذي يرى أن تحرير سعر الصرف يمكن أن يساهم في تحسين مناخ الاستثمار من خلال خلق بيئة اقتصادية أكثر شفافية وتنافسية.
ومع ذلك، فإن هذه السياسة كان لها تأثيرات جانبية مهمة، خصوصاً على فاتورة استيراد السلع الأساسية وغير الأساسية للسوق المصرية. فكلما انخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي، ارتفعت تكلفة الواردات بشكل مباشر، لأن مصر تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات، بدءاً من المواد الغذائية وصولاً إلى الوقود والآلات.
زيادةً على ذلك، فإن الارتفاع المستمر في سعر الدولار الأميركي نتيجة لسياسات رفع معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أضاف تعقيداً إضافياً للمشهد الاقتصادي المصري. الدولار يُعتبر العملة الرئيسية في التجارة العالمية، ولذلك فإن أي زيادة في قيمته تؤدي تلقائياً إلى ارتفاع تكلفة الواردات المصرية. هذا يعني أن الشركات والمستهلكين في مصر يضطرون إلى دفع المزيد من الجنيهات للحصول على نفس الكميات من السلع المستوردة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع في السوق المحلي وزيادة معدلات التضخم.
هذا الارتفاع المستمر في تكلفة الاستيراد يُلقي بظلاله الثقيلة على الاقتصاد المصري، حيث يحد من القدرة الشرائية للأفراد، ويؤثر على ربحية الشركات المحلية التي تعتمد على مواد مستوردة في إنتاجها، ويزيد من العجز التجاري الذي يضغط على الاحتياطات النقدية الأجنبية للبلاد. في المحصلة، فإن هذه التحديات الاقتصادية تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار المالي المطلوب لجذب الاستثمارات الأجنبية بكميات كبيرة كما كان مخططاً له.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الظروف تجعل مهمة صناع القرار في مصر أكثر تعقيداً، حيث يتعين عليهم الموازنة بين تحقيق استقرار في سعر الصرف لجذب الاستثمارات والحفاظ على توازن التجارة الخارجية والحد من التضخم.
3- سلاسل التوريد العالمية من أبرز اسباب التضخم الاقتصادي في مصر
الصراعات الجيوسياسية كانت ولا تزال عاملاً رئيسياً في تعطل سلاسل التوريد العالمية. التوترات بين القوى الاقتصادية الكبرى أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية وتجارية، مما أثر سلباً على حركة البضائع والمواد الخام عبر الحدود. هذه النزاعات لم تقتصر على الدول المتقدمة فقط، بل كان لها تداعيات واسعة على الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتها الأساسية. على سبيل المثال، العقوبات على الدول المصدرة للنفط أدت إلى تقلبات في أسعار الطاقة، مما انعكس على تكاليف النقل والشحن، وأثّر بالتالي على الاقتصاد العالمي بشكل عام.
وفي سياق الحديث عن الأزمات العالمية وتأثيرها على سلاسل التوريد، كانت جائحة كوفيد-19 مثالاً صارخاً على مدى هشاشة هذه السلاسل أمام الأزمات المفاجئة. الجائحة أدت إلى توقف عمليات الإنتاج والشحن في العديد من الدول، بسبب الإغلاقات العامة والإجراءات الاحترازية. هذا التوقف نتج عنه نقص حاد في المعروض من السلع وتأخير في وصولها إلى الأسواق، مما زاد من تكاليف الاستيراد بشكل ملحوظ.
بالنسبة لمصر، كان تأثير هذه الأزمات واضحاً ومؤلماً. الصراعات الجيوسياسية التي تعطل تدفق البضائع، إضافة إلى الدروس المستفادة من أزمة كوفيد-19، أدت إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، خاصة في السلع الأساسية مثل الغذاء والسلع المصنعة. هذه الزيادات في التكاليف تم تحميلها للمستهلكين، مما أدى إلى زيادة التضخم وإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين. هذا الوضع يعكس مدى ارتباط الاقتصاد المصري بالتقلبات العالمية.
4- سياسات صندوق النقد الدولي
تتسم سياسات صندوق النقد الدولي تجاه الدول التي تتعاون معه، مثل مصر، بالتعقيد والتداخل بين الأهداف الاقتصادية الكلية والشروط المفروضة على الدول المدينة. من أبرز السياسات التي ارتبطت باتفاقيات مصر مع الصندوق هو التوجه نحو تقليص دعم الوقود وتطبيق سياسات مالية أكثر صرامة، وذلك بهدف تقليص عجز الموازنة وتعزيز الاستدامة المالية للدولة.
هذه السياسات تأتي في سياق حوكمة مالية عالمية تتطلب من الدول النامية، التي تتلقى قروضًا من صندوق النقد الدولي، الالتزام بتطبيق إصلاحات هيكلية تضمن استقرار الاقتصاد على المدى الطويل. ومن بين هذه الإصلاحات، يأتي تخفيض دعم الوقود، الذي يهدف إلى تقليص الإنفاق الحكومي وتوجيه الموارد إلى مجالات أخرى قد تكون أكثر أهمية في تعزيز النمو الاقتصادي، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
ومع ذلك، فإن تنفيذ مثل هذه السياسات يصطدم بواقع اقتصادي معقد، حيث يؤدي رفع الدعم عن الوقود إلى زيادة في تكلفة السلع والخدمات، مما ينعكس بشكل مباشر على مستويات التضخم في الاقتصاد. هذه الزيادة في التضخم تؤثر بشكل أكبر على الشرائح الأقل دخلًا، حيث تصبح تكلفة المعيشة أعلى، وتزداد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الأسر.
وفي حين أن الهدف الأساسي من هذه السياسات هو خلق اقتصاد أكثر استقرارًا ومرونة على المدى الطويل، فإن التحدي يكمن في كيفية إدارة الآثار السلبية التي تظهر على المدى القصير. تتفاقم هذه التحديات عندما تتزامن هذه السياسات مع أزمات اقتصادية عالمية، مثل تقلبات أسعار النفط، أو تراجع النمو الاقتصادي العالمي، أو حتى الأزمات المالية التي قد تضعف من قدرة الدولة على تحقيق أهدافها الاقتصادية.
5- أسعار الفائدة العالمية
تؤثر قرارات الفائدة التي تتخذها الاقتصادات الكبرى، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصادات الناشئة مثل مصر. هذه التأثيرات تحدث عبر عدة قنوات وآليات اقتصادية مترابطة.
في البداية، عندما تقوم البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى برفع أسعار الفائدة، يصبح الاستثمار في هذه الأسواق أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين بسبب العوائد الأعلى المتاحة. نتيجة لذلك، يبدأ رأس المال بالتدفق خارج الاقتصادات الناشئة مثل مصر باتجاه هذه الأسواق الكبرى. هذا الخروج لرأس المال من مصر يؤدي إلى تراجع احتياطيات النقد الأجنبي، مما يضع ضغطاً على العملة المحلية، وهي في هذه الحالة الجنيه المصري.
عندما يتراجع سعر الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، يصبح استيراد السلع من الخارج أكثر تكلفة. مصر، كونها تعتمد على استيراد العديد من السلع الأساسية، تجد نفسها مضطرة لدفع مبالغ أكبر مقابل نفس الواردات التي كانت تشتريها سابقاً. هذه الزيادة في تكاليف الواردات تؤدي إلى ارتفاع الأسعار محلياً، مما يساهم في زيادة معدل التضخم.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر ارتفاع أسعار الفائدة العالمية على خدمة الديون الخارجية. فمعظم ديون مصر الخارجية تكون مقومة بالدولار أو اليورو. وعندما ترتفع أسعار الفائدة في هذه العملات، يرتفع أيضاً عبء خدمة هذه الديون، مما يزيد من الضغوط المالية على البلاد.
صعوبة فصل المسار الاقتصادي المصري عن المتغيرات الخارجية
في الختام، يظهر بجلاء مدى تشابك الاقتصاد المصري مع التحولات العالمية، حيث تتأثر البلاد بعوامل خارجية تتجاوز حدودها بشكل لا يمكن تجاهله. من تقلبات أسعار السلع إلى اضطرابات الأسواق العالمية، كل هذه التغيرات تفرض واقعاً اقتصادياً تتداخل فيه التأثيرات الخارجية مع المحلية، مما يبرز مدى تأثر مصر بالعوامل الدولية. هذا التأثر يعكس حقيقة أن الاقتصاد المصري جزء من منظومة عالمية تتفاعل فيها الأحداث والتطورات بشكل معقد، مما يجعل من الصعب فصل المسار الاقتصادي الداخلي عن المتغيرات الخارجية.