اسباب تفوق البيتكوين على الاسهم كثيرة وخاصة أن في وقت كتابة هذه المقالة، سجلت عملة البيتكوين ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 44% منذ مطلع العام مقارنةً بمؤشر S&P 500 الذي ارتفع بنسبة 17% فقط. هذا التفوق الكبير للعملة المشفرة يعود إلى عدة عوامل أساسية جعلتها تتصدر المشهد المالي العالمي. وفيما يلي خمسة أسباب رئيسية تفسر هذا الأداء المتميز.
اسباب تفوق البيتكوين على الاسهم
1. التنصيف وتقليص المكافآت – (Bitcoin Halving)
في عام 2024، شهد مجتمع العملات المشفرة حدثًا بارزًا يُعرف بـ”التنصيف” أو “Bitcoin Halving”. هذا الحدث يحدث تقريبًا كل أربع سنوات وهو جزء لا يتجزأ من بروتوكول البيتكوين الذي أُنشأ بواسطة ساتوشي ناكاموتو. في هذا العام، انخفضت المكافآت التي يحصل عليها المعدّنون مقابل إضافة كتل جديدة إلى سلسلة الكتل (البلوك تشين) من 6.25 بيتكوين إلى 3.125 بيتكوين لكل كتلة.
تقليص المكافآت يؤدي إلى انخفاض العرض الجديد من البيتكوين، حيث يتم إنتاج عدد أقل من العملات الرقمية الجديدة مع مرور الوقت. هذا الانخفاض في العرض يساهم في جعل البيتكوين عملة نادرة بشكل متزايد، مما يعزز من قيمتها على المدى الطويل.
تاريخيًا، كانت أحداث تقليص المكافآت مرتبطة بارتفاعات كبيرة في أسعار البيتكوين. فمع انخفاض العرض الجديد المتاح في السوق، وبقاء أو زيادة الطلب، تكون النتيجة عادةً ارتفاعًا في الأسعار. في عام 2024، بدأنا نرى بالفعل تأثيرات هذا التقليص في السوق، حيث ارتفعت أسعار البيتكوين إلى مستويات جديدة. يعتبر هذا الارتفاع نتيجة طبيعية لقوانين العرض والطلب، حيث يواجه المستثمرون الآن كمية أقل من البيتكوين المتاحة للشراء، مما يزيد من جاذبية هذه العملة كأصل نادر.
على الرغم من أن تقليص المكافآت يعزز من قيمة البيتكوين، إلا أنه يضع ضغطًا إضافيًا على المعدّنين. حيث يتعين عليهم الآن تحقيق الأرباح بكمية أقل من البيتكوين لكل كتلة معدّنة، مما قد يؤدي إلى خروج المعدّنين الأقل كفاءة من السوق. قد يؤدي ذلك إلى تركيز أكبر لعملية التعدين في أيدي عدد أقل من اللاعبين الكبار، وهو ما قد يؤثر على اللامركزية التي تُعتبر إحدى الأسس الرئيسية التي تقوم عليها البيتكوين.
من المتوقع أن يستمر تأثير تقليص المكافآت على المدى الطويل، حيث أن الانخفاض التدريجي في عرض البيتكوين سيعزز من قيمته كأصل استثماري. ومع اقترابنا من الحد الأقصى لمقدار البيتكوين المتاح (21 مليون بيتكوين)، ستصبح الأحداث التالية لتقليص المكافآت أكثر تأثيرًا على السوق.
2. التبني المؤسسي من أهم اسباب ارتفاع قيمة البيتكوين
في عام 2024، شهدت البيتكوين طفرة ملحوظة في مستوى التبني من قبل المؤسسات المالية الكبرى، ما أدى إلى تحوّل جذري في طبيعة سوق العملات المشفرة. وكانت أحد أبرز الأسباب وراء هذا التبني الواسع هو إطلاق صناديق المؤشرات المتداولة الخاصة بالبيتكوين (ETFs) التي وفرت وسيلة سهلة وآمنة للمستثمرين التقليديين للدخول إلى عالم البيتكوين دون الحاجة إلى التعقيدات التقنية المرتبطة بتخزينها وإدارتها بشكل مباشر.
هذا التحول لم يكن فقط في صفوف الأفراد الذين يتطلعون إلى تنويع محافظهم الاستثمارية، بل شمل أيضًا صناديق التحوط، والشركات الاستثمارية الكبرى، وحتى صناديق المعاشات التي بدأت في ضخ رؤوس أموال كبيرة في هذه الصناديق الجديدة. ونتيجة لذلك، شهدت أسواق البيتكوين تدفقًا هائلًا من رؤوس الأموال، مما أدى إلى ارتفاع كبير في الطلب على العملة المشفرة.
إضافة إلى ذلك، تم تعزيز هذا الاتجاه بسبب التطورات التنظيمية التي ساهمت في تحسين الإطار القانوني لهذه الأصول المشفرة، مما زاد من ثقة المستثمرين المؤسسيين وأعطاهم مزيدًا من الأمان للاستثمار في البيتكوين. ومن المتوقع أن يكون لهذا التطور تأثير طويل الأمد على مستقبل العملات المشفرة بشكل عام، حيث قد يؤدي إلى جعل البيتكوين جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات الاستثمار المؤسسي حول العالم.
3. التحوط ضد التضخم من أبرز اسباب تفوق البيتكوين على الاسهم
التحوط ضد التضخم يعني استخدام أصول أو استثمارات معينة لحماية قيمة الأموال من تآكل قوتها الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. عندما تزيد معدلات التضخم، تنخفض قيمة العملات التقليدية (مثل الدولار أو اليورو)، مما يؤدي إلى بحث المستثمرين عن طرق لحماية أموالهم من هذه الخسارة.
تاريخيًا، كانت الذهب هو الملاذ الآمن التقليدي الذي يلجأ إليه المستثمرون في أوقات عدم اليقين الاقتصادي أو التضخم. ولكن في السنوات الأخيرة، بدأ البيتكوين يُعتبر من قبل البعض “ذهبًا رقميًا”. يأتي هذا بسبب ندرة البيتكوين (حيث أن العرض محدود إلى 21 مليون وحدة فقط) والطبيعة اللامركزية التي تميزه عن العملات التقليدية.
مع زيادة التضخم في الاقتصاديات الكبرى، بدأ المزيد من المستثمرين في تحويل جزء من محافظهم الاستثمارية إلى البيتكوين كوسيلة للحفاظ على قيمتها. هذا التحول يعزز من مكانة البيتكوين ويؤدي إلى ارتفاع في سعره، حيث أن زيادة الطلب مع العرض المحدود تدفع الأسعار إلى الأعلى.
على عكس الأسهم أو السندات التي قد تتأثر بقوة بالسياسات المالية والتغيرات الاقتصادية، يُعتقد أن البيتكوين يتأثر بشكل أقل بالعوامل الخارجية الحكومية نظرًا لطبيعته اللامركزية. هذا يجعله جاذبًا للمستثمرين الذين يبحثون عن أصول لا تتأثر مباشرة بالتضخم أو التغيرات في السياسة النقدية.
باختصار، البيتكوين أصبح يُنظر إليه من قبل البعض كأداة فعالة للتحوط ضد التضخم بسبب طبيعته اللامركزية، ندرة العرض، وجاذبيته كمخزن للقيمة في أوقات عدم اليقين الاقتصادي.
4. ضعف الدولار الأمريكي
خلال عام 2024، شهدت الأسواق المالية تقلبات ملحوظة، كان أبرزها ضعف قيمة الدولار الأمريكي. هذا الضعف جاء نتيجة مجموعة من العوامل الاقتصادية، بما في ذلك السياسات النقدية التوسعية والضغوط التضخمية. في ظل هذا السياق، ازداد اهتمام المستثمرين بالبحث عن أصول بديلة قادرة على الحفاظ على قيمة ثرواتهم.
من بين هذه الأصول، برزت البيتكوين كواحدة من الخيارات الأكثر جذبًا. فبفضل طبيعتها اللامركزية وعدم ارتباطها بالاقتصاديات الوطنية التقليدية، أصبحت البيتكوين ملاذًا للمستثمرين الذين يرغبون في تحصين ثرواتهم ضد التقلبات الاقتصادية. ومع تراجع قيمة الدولار، باتت البيتكوين تعتبر وسيلة للحفاظ على القيمة، حيث اتجه العديد من المستثمرين الدوليين إلى زيادة استثماراتهم فيها.
التغيرات التي طرأت على أداء البيتكوين خلال 2024 لم تكن مفاجئة، إذ أن التحركات الاقتصادية الكبرى غالبًا ما تؤدي إلى إعادة تقييم الاستثمارات التقليدية والبحث عن بدائل غير تقليدية. في ظل الظروف التي شهدها العالم، تألقت البيتكوين ليس فقط كأداة استثمارية، بل أيضًا كملاذ آمن يعزز من ثقة المستثمرين في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.
5. المزاج العام للسوق والطلب المضاربي
أخيراً، كانت العوامل النفسية والمزاج العام للسوق من المحركات الأساسية لارتفاع البيتكوين. الأداء القوي للعملة جذب العديد من المستثمرين، سواءً كانوا أفراداً أو مؤسسات، للاستفادة من الزخم الحالي. كما أن السردية السائدة عن البيتكوين كـ “ذهب رقمي” عززت من جاذبيته كأداة استثمارية مضاربية.
مجموعة هذه العوامل مجتمعة جعلت من البيتكوين الأصول الأفضل أداءً في 2024، متفوقةً بشكل كبير على الأسهم الأمريكية.